رفض التليفزيون المصرى إعلاناً لأحمد عز بكل إباء وشمم، وظلت الورقة التى طلب فيها السماح بإعلانه حائرة تائهة بين مكاتب المسئولين وأروقة ماسبيرو، مثلها مثل الجثة التى حكى عنها توفيق الحكيم فى «يوميات نائب فى الأرياف» والتى ظلت كل قرية تزقها وتدفعها فى الترعة بعيداً عن زمامها وحدودها لكى تبعد عن اختصاصات نقطة شرطتها التى لا تريد وجع الدماغ، فقد وصلت الورقة إلى القطاع الاقتصادى ففزع رئيس القطاع وارتعش فدفعها إلى قطاع الأخبار الذى اصطكت أسنانه واصطدمت ركبتاه فقررت رئيسة القطاع أن ترمى بها بعيداً إلى رئيس الاتحاد الذى اعتقد أنها فيروس إنفلونزا الطيور فارتدى القفاز الطبى والماسك والتقطها بالملقاط وأرسل عينة منها إلى المهندس محلب، رئيس الوزراء، شخصياً الذى نظر إلى طلب الإعلان الرجيم وبسمل وحوقل وقرر بعد صلاة الاستخارة أن يرفض الإعلان!! أنا لا أعرف أحمد عز شخصياً ولم أقابله فى حياتى ولو صدفة، وأعرف جيداً أنه كان أول مسمار فى نعش نظام مبارك، وأنه كان شرارة الاستفزاز الثورية بهندسة انتخابات البرلمان المباركى الأخير التى فاقت وتجاوزت كل حدود التزوير. كل هذا وغيره أعرفه جيداً، ولكنى أعرف أيضاً أن لديه مصانع حديد لم تغلقها الحكومة بعد وما زالت معترفة بها، هذا معناه أن هذه المصانع من حقها ممارسة كل حقوقها من بيع وشراء وتصدير واستيراد وإعلانات أيضاً، والفيصل بيننا وبينه هو القانون، هل هو حصل على براءة من المحكمة القانونية وعُقدت له جلسات أخرى فى المحكمة التليفزيونية؟ وما دام الضمير السياسى بينقح على التليفزيون إلى هذه الدرجة لماذا يرضى بإعلانات النيون المضيئة التى توضع خلف الأطباء وكأننا فى نمرة كباريه أو فقرة فى سيرك؟! هل هنا طاوعهم الضمير أن يستضيفوا أطباء كل مؤهلاتهم أنهم يدفعون نقوداً مقابل الظهور ولم يطاوعهم ضميرهم فى الإعلان عن مصنع حديد؟! وهل كل المعلنين فى التليفزيون المصرى من الملائكة الأبرار الذين مروا على جهاز كشف الضمير السياسى قبل أن يوافق عليهم القطاع الاقتصادى المرفرف بأجنحته النورانية فى الأجواء الصوفية؟! التليفزيون الذى أفلس ويكاد يتسول ولا يجد إعلانات والخزانة خاوية تنعى من بناها يحاول بغشم أن يمارس التقية السياسية بخلط الأمور المهنية والحرفية بالهواجس السياسية وممارسة الوطنية بأثر رجعى وسذاجة انفعالية ومغازلة لشارع سياسى مرتبك. أفهم أن يرفض التليفزيون استضافة أحمد عز فى البرامج، وأفهم أن يرفض التليفزيون الترويج له كسياسى أو حزبى، لكنى لا أفهم أن يمنع إعلاناته ويسمح بإعلانات الشركات المنافسة ما دامت مصانعه تسمح بها الدولة ولم تصدر قراراً بتأميمها، إننا نتكلم ونتحدث هنا عن مستثمر يريد إعلاناً عن استثماراته بدون أى حديث عن ترويج سياسى، وإذا كان المهندس محلب يخشى أن يكون هذا بداية لنزول عز انتخابات البرلمان المقبل فليمنعه هو أو حكومته أو الرئيس شخصياً إذا كان هناك قانون يمنع ذلك، أو يتركه للعزل الاجتماعى والسياسى من الناس ومن الناخبين، ولكن أن يلتف ويمنع إعلاناً من حقه الطبيعى أن ينزل على الشاشة وبدون مبررات فهذا دليل على الهشاشة الإعلامية والسياسية التى نعيشها والمكاييل غير المتساوية وغير المتوازنة فى التعامل، هذا ليس دفاعاً عن أحمد عز أو غيره، فليذهب كل الحزب الوطنى إلى الجحيم، ولكن لا بد أن يكون معيارنا هو القانون، فقط القانون.